تفسير الخطيب الشربيني - ج ٤

محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني المصري

تفسير الخطيب الشربيني - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني المصري


المحقق: إبراهيم شمس الدين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-4207-0

الصفحات: ٧٢٨

وروى مسلم أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لقد أنزلت عليّ سورتان ما أنزل مثلهما» (١). وروى ابن ماجه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «وإنك أن تقرأ سورتين لا أحب ولا أرضى عند الله منهما يعني المعوّذتين» (٢). وعن عقبة بن عامر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوّذون؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)(٣). وما رواه الزمخشري ولم يقله البيضاوي هنا لكن قال في آخر السورة الآتية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ المعوّذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى» (٤) حديث موضوع.

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٤٤.

(٢) أخرجه ابن ماجه في الإقامة باب ٩٠.

(٣) أخرجه ابن كثير في تفسيره ٤ / ٥٧٣.

(٤) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٨٢٩.

٧٢١

سورة الناس

مكية ، وهي ست آيات وعشرون كلمة وتسعة وتسعون حرفا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(بِسْمِ اللهِ) المحيط بكل ما بطن كإحاطته بكل ظاهر (الرَّحْمنِ) الذي عمت نعمته كل باد وحاضر (الرَّحِيمِ) الذي خص أهل ودّه بإتمام النعمة في جميع أمورهم الأوّل منها والأثناء والآخر.

ولما أمر الله تعالى نبيه بالاستعاذة مما تقدّم أمره أن يستعيذ من شر الوسواس بقوله تعالى :

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦))

(قُلْ ،) أي : يا أشرف المرسلين (أَعُوذُ ،) أي : أعتصم والتجئ (بِرَبِّ ،) أي : مالك وخالق (النَّاسِ) وخصهم بالذكر وإن كان رب جميع المحدثات لأمرين : أحدهما : أنّ الناس يعظمون فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا. الثاني : أنه أمر بالاستعاذة من شرهم فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم. قال الملوي : والرب من له ملك الرق ، وجلب الخيرات من السماء والأرض وإنقاذها ، ودفع الشرور ورفعها ، والنقل من النقص إلى الكمال ، والتدبير العام العائد بالحفظ والتتميم على المربوب.

وقوله تعالى : (مَلِكِ النَّاسِ) إشارة إلى أنّ له كمال التصرف ونفوذ القدرة ، وتمام السلطان فإليه الفزع ، وهو المستغاث والملجأ والمنجى والمعاد. وقوله تعالى : (إِلهِ النَّاسِ) إشارة إلى أنه تعالى كما انفرد بربوبيتهم وملكهم لم يشركه في ذلك أحد فكذلك هو وحده إلههم لا يشركه في ألوهيته أحد ، وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان ، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى ، فإنّ الرب هو القادر الخالق إلى غير ذلك مما يتوقف الإصلاح والرحمة والقدرة الذي هو بمعنى الربوبية عليه من أوصاف الجمال. والملك هو الآمر والناهي المعز المذل إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى العظمة والجلال ، وأمّا الإله فهو الجامع لجميع صفات الكمال ، ونعوت الجلال فيدخل فيه جميع الأسماء الحسنى ، ولتضمنها لجميع معاني الأسماء الحسنى كان المستعيذ جديرا بأن يعاذ ، وقد يوقع ترتيبها على الوجه الأكمل الدال على الواحدانية لأنّ من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة علم أنّ له مربيا ، فإذا درج في العروج في درج معارفه سبحانه علم أنه غني عن الكل والكل إليه محتاج ، وعن أمره تعالى تجري أمورهم فيعلم أنه ملكهم ، ثم

٧٢٢

يعلم بانفراده بتدبيرهم بعد إبداعهم أنه المستحق للإلهية بلا مشارك له فيها.

فائدة : قد أجمع جميع القراء في هذه السورة على إسقاط الألف من مالك ، بخلاف الفاتحة كما مضى لأنّ المالك إذا أضيف إلى اليوم أفهم اختصاصه بجميع ما فيه من جوهر وعرض ، وأنه لا أمر لأحد معه ، ولا مشاركة في شيء من ذلك ، وهو معنى الملك بالضم. وأمّا إضافة المالك إلى الناس فإنها لا تستلزم أن يكون ملكهم ، فلو قرئ به هنا لنقص الملك بالضم ، وأطبقوا في آل عمران على إثبات الألف في المضاف وحذفها من المضاف إليه ، لأنّ المقصود من السياق أنه سبحانه يعطي الملك من يشاء ويمنعه من يشاء. والملك بكسر الميم أليق بهذا المعنى ، وأسرار كلام الله تعالى أعظم من أن تحيط بها العقول ، وإنما غاية أولي العلم الاستدلال بما ظهر منها.

تنبيه : يجوز في ملك الناس وإله الناس أن يكونا وصفين لرب الناس ، وأن يكونا بدلين ، وأن يكونا عطف بيان ، واقتصر عليه الزمخشري قال : كقولك : سيرة أبي حفص عمر الفاروق بين بملك الناس ، ثم زيد بيانا بإله الناس ، لأنه قد يقال لغيره : رب الناس كقوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) [التوبة : ٣١] وقد يقال : ملك الناس. وأمّا إله الناس فخاص لا شركة فيه فجعل غاية للبيان. فإن قيل : هلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرّة واحدة؟ أجيب : بأنّ عطف البيان للبيان فكان مظنة للإظهار دون الإضمار.

(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) وهو اسم بمعنى الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة ، وأمّا المصدر فوسواس بالكسر كزلزال ، والمراد به شيطان سمي بالمصدر كأنه وسوس في نفسه ، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه أو أريد ذو الوسواس والوسوسة الصوت الخفي ، ويقال لحس الصائد ، والكلاب ، وأصوات الحلي : وسواس. «والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» (١). كما في الصحيح فهو الذي يوسوس بالذنب سرا ليكون أحلى ، ولا يزال يزينه ويثير الشهوة الداعية إليه حتى يوقع الإنسان ، فإذا أوقعه وسوس لغيره أن فلانا فعل كذا حتى يفضحه بذلك ، فإذا افتضح ازداد جراءة على أمثال ذلك كأنه يقول : قد وقع ما كنت أحذر من إيقاعه فلا يكون شيء غير الذي كان فيجترئ على الذنب.

ولما كان الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل دواء غير السام وهو الموت ، وكان قد جعل دواء الوسوسة ذكره تعالى فإنه يطرد الشيطان وينير القلب ويصفيه ، وصف سبحانه الموسوس عند استعماله الدواء بقوله تعالى : (الْخَنَّاسِ ،) أي : الذي عادته أن يخنس ، أي : يتوارى ويتأخر ويختفي بعد ظهوره مرّة بعد مرّة كلما كان الذكر خنس وكلما بطل عاد إلى وسواسه ، فالذكر له كالمقامع التي تقمع المفسد فهو شديد النفور منه ، ولهذا كان شيطان المؤمن هزيلا كما حكي عن بعض السلف أنّ المؤمن يضني شيطانه كما يضني الرجل بعيره في السفر.

قال قتادة : الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب ، وقيل : كخرطوم الخنزير في صدر الإنسان ،

__________________

(١) هو من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد روي بطرق وأسانيد متعددة ، انظر البخاري في الأحكام باب ٢١ ، وبدء الخلق باب ١١ ، والاعتكاف باب ١١ ، ١٢ ، وأبا داود في الصوم باب ٧٨ ، والسنة باب ١٧ ، والأدب باب ٨١ ، وابن ماجه في الصيام باب ٦٥ ، والدارمي في الرقاق باب ٦٦ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٥٦ ٢٨٥ ، ٣٠٩ ، ٦ / ٣٣٧.

٧٢٣

فإذا ذكر العبد ربه خنس ، ويقال : رأسه كرأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب يمسه ، فإذا ذكر الله تعالى خنس ورجع ووضع رأسه فذلك قوله تعالى : (الَّذِي يُوَسْوِسُ ،) أي : يلقي المعاني الضارة على وجه الخفاء والتكرير (فِي صُدُورِ النَّاسِ ،) أي : المضطربين إذا أغفلوا عن ذكر ربهم من غير سماع. وقال مقاتل : إنّ الشيطان في صورة خنزير يجري من ابن آدم مجرى الدم في عروقه سلطه الله تعالى على ذلك. وقال القرطبي : وسوسته هي الدعاء إلى إطاعته بكلام خفيّ يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع صوت.

تنبيه : يجوز في محل (الَّذِي يُوَسْوِسُ) الحركات الثلاث ، فالجرّ على الصفة والرفع والنصب على الشتم ، ويحسن أن يقف القارئ على الخناس ويبتدئ الذي يوسوس على أحد هذين الوجهين.

وقوله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ ،) أي : الجنّ الذين هم في غاية الشر والتمرد ، والخناس (وَالنَّاسِ ،) أي : أهل الاضطراب والذبذبة بيان للذي يوسوس على أن الشيطان ضربان : جني وأنسي كما قال تعالى : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] ويجوز أن يكون بدلا من الذي يوسوس ، أي : الموسوس من الجن والإنس ، وأن يكون حالا من الضمير في يوسوس ، أي : حال كونه من هذين الجنسين. وقيل : غير ذلك. قال الحسن : هما شيطانان لنا أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس ، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية. وقال قتادة : إن من الجن شياطين ، وإنّ من الإنس شياطين. فنعوذ بالله من شياطين الجنّ والإنس. وعن أبي ذر قال لرجل هل تعوّذت بالله من شيطان الإنس ، فقال : أو من الإنس شياطين؟ قال : نعم لقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] الآية.

وذهب قوم إلى أنّ المراد بالناس هنا الجن سموا ناسا كما سموا رجالا في قوله تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ٦] وكما سموا نفرا في قوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ١] وكما سموا قوما نقل الفراء عن بعض العرب أنه قال وهو يحدّث جاء قوم من الجنّ فوقفوا ، فقيل : من أنتم؟ فقالوا : ناس من الجنّ ، فعلى هذا يكون والناس عطفا على الجنة ويكون التكرير لاختلاف اللفظين. والجنة جمع جني كما يقال : أنس وأنسي والهاء لتأنيث الجماعة. وقيل : إنّ إبليس يوسوس في صدور الجنّ كما يوسوس في صدور الناس فعلى هذا يكون في صدور الناس عاما في الجميع.

و (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) بيانا لما يوسوس في صدورهم. وقيل : معنى (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) الوسوسة التي تكون (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) وهو حديث النفس.

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله تعالى تجاوز لأمّتي عما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به» (١) وعن عقبة بن عامر قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألم تر آيات نزلت الليلة لم ير مثلهنّ قط (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)(٢). وعنه أيضا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ألا أخبرك بأفضل ما تعوّذ

__________________

(١) أخرجه البخاري في الأيمان حديث ٦٦٦٤ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٢٧ ، والنسائي في الطلاق حديث ٣٤٣٤ ، وابن ماجه في الطلاق حديث ٢٠٤٠.

(٢) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٨١٤ ، والنسائي في الافتتاح حديث ٩٥٣.

٧٢٤

به المتعوذ؟ قلت : بلى ، قال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)(١).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهم وقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما رأسه ووجه وما أقبل من جسده يصنع ذلك ثلاث مرات» (٢). وعنها أيضا «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذتين وينفث ، فلما اشتدّ وجعه كنت أقرأهما عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها» (٣). وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار» (٤). وعن ابن عباس قال : «قال رجل : يا رسول الله ، أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ قال : الحال المرتحل ، قال : وما الحال المرتحل؟ قال : الذي يضرب من أوّل القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل» (٥).

وعن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما أذن الله لأحد ما أذن لنبيّ حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» (٦).

لطيفة : نختم بها كما ختم بها الفخر الرازي رحمه‌الله تعالى تفسيره ، وهي أن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة ، وهي أنه رب الفلق والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات : وهي الغاسق والنفاثات والحاسد. وأمّا في هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاث : وهي الرب والملك والإله ، والمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة.

والفرق بين الموضعين أن الثناء يجب أن يقدر بقدر المطلوب ، فالمطلوب في السورة الأولى سلامة النفس والبدن ، والمطلوب في السورة الثانية سلامة الدين ، وهذا تنبيه على أنّ مضرة الدين وإن قلت أعظم من مضار الدنيا وإن عظمت.

وهذا آخر ما يسره الله تعالى من السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير فدونك تفسيرا كأنه سبيكة عسجد ، أو در منضد جمع من التفاسير معظمها ومن القراءات متواترها ، ومن الأقاويل أظهرها ، ومن الأحاديث صحيحها وحسنها محرّر الدلائل في هذا الفنّ مظهرا لدقائق استعملنا الفكر فيها إذا الليل جنّ ، فإذا ظفرت بفائدة شاردة فادع لي بالتجاوز والمغفرة ، أو بزلة قلم أو لسان فافتح لها باب التجاوز والمعذرة :

فلا بدّ من عيب فإن تجدنه

فسامح وكن بالستر أعظم مفضل

فمن ذا الذي ما ساء قط ومن له ال

محاسن قد تمت سوى خير مرسل

__________________

(١) أخرجه النسائي في الاستعاذة باب ١.

(٢) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٤٠٢ ، وأبو داود في الأدب حديث ٥٠٥٦.

(٣) أخرجه البخاري في فضائل القرآن حديث ٥٠١٦ ، ومسلم في السلام حديث ٢١٩٢ ، وابن ماجه في الطب حديث ٣٥٢٩.

(٤) تقدم الحديث مع تخريجه قبل قليل.

(٥) أخرجه الترمذي في القراءات حديث ٢٩٤٨ ، والدارمي في فضائل القرآن حديث ٣٤٧٦.

(٦) أخرجه البخاري في التوحيد حديث ٧٥٤٤ ، ومسلم في المسافرين حديث ٧٩٢ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٤٧٣ ، والنسائي في الافتتاح حديث ١٠١٧.

٧٢٥

وأنا أعوذ بجميع كلمات الله الكاملة التامّة ، وألوذ بكنف رحمته الشاملة العامّة من كل ما يكلم الدين ويثلم اليقين ، أو يعود في العاقبة بالندم ، أو يقدح في الإيمان المسوط باللحم والدم ، وأسأله بخضوع العنق وخشوع البصر ، ووضع الخد لجلاله الأعظم الأكبر مستشفعا إليه بنوره الذي هو الشيبة في الإسلام ، متوسلا إليه بسيد الأنام عليه الصلاة والسلام ، وبالتوبة الممحصة للآثام وبما عنيت به من مصابرتي على تواكل من القوى ، وتخاذل من الخطا ، ثم أسأله بحق صراطه المستقيم ، وقرآنه المجيد الكريم ، وبما لقيت من كدح اليمين ، وعرق الجبين في عمل هذا التفسير المبين عن حقائقه المخلص عن مضايقه ، المطلع على غوامضه ، المثبت في مداحضه ، المكتنز بالفوائد التي لا توجد إلا فيه المحيط بما لا يكتنه من بديع ألفاظه ، ومعانيه مع الإيجاز الحاذف للفضول ، وتجنب المستكره المملول متوسط الحجم ، وخير الأمور أوساطها لا تفريطها ولا إفراطها. هذا ولسان التقصير في طول مدحه قصير :

أعيذه بالمصطفى من حاسد قد هما

بذمّه وقد غدا من أجله مهتما

فليس يبغي ذمّه إلا بغيض أعمى

كفاه ربي شرهم وزان منه الرسما

وزاد في تدبيرهم تدميرهم والغما

وردّهم بغيظهم فلم ينالوا غنما

وزاده سعادة ولازمته النعمى

فنسأل الله الكريم الذي به الضر والنفع ، والإعطاء والمنع أن يجعله لوجهه خالصا ، وإن يداركني بألطافه إذ الظل أضحى في القيامة قالصا ، وأن يتجاوز عني إنه السميع العليم ، وأن يرفع به درجتي في جنات النعيم ، وأن يجعله ذخيرة لي عنده إنه ذو الفضل العظيم ، وأن ينفع به من تلقاه بالقبول إنه جواد كريم ، وأن يخفف عني كل تعب ومؤنة ، وأن يمدّني بحسن المعونة ، وأن يهب لي خاتمة الخير ، ويقيني مصارع السوء ، وأن يتجاوز عن فرطاتي يوم التناد ، ولا يفضحني بها على رؤوس الأشهاد أنا ووالدي وأولادي ، وأقاربي وأحبابي ، ويحلنا دار المقام من فضله بواسع طوله وسابغ نوله إنه هو الجواد الكريم ، الرؤوف الرحيم ، وهذا شيء ما كان في قدرتي فإني والله معترف بقصر الباع ، وكثرة الزلل ، ولكن فضل الله وكرمه لا يعلل بشيء من العلل. فلهذا رجوت أن أكون متصفا بإحدى الخصال الثلاث التي إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا منها ، بل أرجو من الله الكريم ، اجتماعها إنه جواد كريم حليم.

قال المؤلف رحمه‌الله تعالى : وكان الفراغ من تأليفه يوم الإثنين المبارك ، ثالث عشر صفر الخير ، من شهور سنة ثمان وستين وتسعمائة من الهجرة النبوّية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، على يد مؤلفه فقير رحمة ربه القريب محمد بن أحمد الشربيني الخطيب غفر الله تعالى له ذنوبه ، وستر في الدارين عيوبه والمسلمين ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلاة الله وسلامه على سيدنا محمد خاتم النبيين ، والمرسلين والصحابة أجمعين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

يقول المتوسل إلى الله بالجاه الصديقي إبراهيم عبد الغفار الدسوقي ، مصحح دار الطباعة

٧٢٦

جمل الله طباعه قد تم طبع السراج المنير بعون الله الملك القدير ، وهذا الكتاب العجيب المنسوب للإمام الخطيب قد اعتنت بتحريره دار الطباعة ، وبذلت في تنقيره غاية الاستطاعة ، فأزالت عنه ربقة التحريف ، وأطلقته من أسر التصحيف بمراجعة أصول أساليبه ، والبحث عن صواب تراكيبه ، فحصلت بركاته وعمت نفحاته ، وأنار الآفاق بدر وجوده ، وروى الظماء قاموس فضله وجوده ، وتحلت بصحاح جواهر معانيه أجياد مباشريه ومبتاعيه ، ثم إنّ تمام بيعه في أثناء طبعه أوّل دليل على عموم نفعه ، وهذا كما يقع في خلدي ويقيني من كرامات مؤلفه محمد بن أحمد الشربيني وكان تمام طبعه بدار الطباعة العامرة الكائنة ببولاق مصر القاهرة على ذمّة هذه المصلحة الميمونة التي هي بطالع السعد مقرونة في سنة خمس وثمانين ومائتين وألف من هجرة من خلقه الله على أكمل وصف ، مشمولا بنظر المجدّ في نفع أوطانه ، الباذل مروءته في قضاء حاج إخوانه من عليه أحاسن أخلاقه تثنى حضرة حسين بك حسني ، فإنه لا يزال باحثا عن عموم المنافع عند وجود المقتضيات ، وزوال الموانع في ظل من تعطرت الأفواه بطيب ثنائه ، وبلغ من كل وصف جميل حدّ انتهائه ، ومحا ظلم الظلم بسنا صورته ، وأثبت مراسم العدل بحسن سيرته ، وأفاض على أهل مملكته غيوث إنعامه وإحسانه ، وشملهم بعظيم رأفته ومزيد امتنانه ، وبسط لهم بساط عدله ، وحلاهم بحلي جوده وفضله. عزيز الديار المصرية ، وحامي حمى حوزتها النيلية بشدّة بأسه وعزمه الجلي ، سعادة أفندينا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي لا زال ملحوظا بعين العناية الإلهية ، موفقا لسائر الآراء الخيرية محفوظ الجناب ، مقصود الأعتاب ، مسرورا بسائر الأنجال بجاه خاتم رسل ذي الجلال. ولما تهيأ للتمام والكمال ، ولبس من حسن الطبع حلة الجمال انطلق لسان اليراع يقرظه ، وبعين الإطراء يلحظه فقال :

كلام الله أفضل ما رواه

رسول الله عن جبريل قطعا

عجائبه يحار اللب فيها

وليست تنقضي بدعا وصنعا

وخادمه بتفسير المعاني

أجل الناس منقبة ووضعا

ولا سيما الخطيب أبو المعالي

مبين الآي أفذاذا وشفعا

هو التفسير إيضاحا وبسطا

ومتبعوه أرقى الناس طبعا

ولما تم حسنا قلت أرخ

وفي أوب الخطيب وتم طبعا

فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على المؤيد بباهر المعجزات ، وعلى أصحابه الكرام البررة ، وآل بيته المنتخبين الخيرة ما توالى الجديدان وتعاقب النيران.

ـ تمّ الكتاب ـ

٧٢٧

فهرس المحتويات

سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم

 ٣

سورة التكوير

٥٥٦

سورة الفتح

 ٢٠

سورة الانفطار

 ٥٦٣

سورة الحجرات

 ٤٥

سورة المطففين

 ٥٦٨

سورة ق

 ٦٥

سورة الانشقاق

 ٥٧٧

سورة الذاريات

٨٤

سورة البروج

 ٥٨٢

سورة الطور

 ١٠٣

سورة الطارق

 ٥٩٠

سورة النجم

 ١١٦

سورة الأعلى

 ٥٩٥

سورة القمر

 ١٤٠

سورة الغاشية

 ٦٠٢

سورة الرحمن

 ١٥٧

سورة الفجر

 ٦٠٨

سورة الواقعة

 ١٨٤

سورة البلد

 ٦١٦

سورة الحديد

 ٢١٠

سورة الشمس

 ٦٢٢

سورة المجادلة

٢٣٠

سورة والليل

 ٦٢٧

سورة الحشر

 ٢٥١

سورة الضحى

 ٦٣٢

سورة الممتحنة

 ٢٧٦

سورة ألم نشرح

 ٦٤٠

سورة الصف

 ٢٩٠

سورة التين والزيتون

 ٦٤٤

سورة الجمعة

 ٣٠٠

سورة العلق

 ٦٤٧

سورة المنافقين

 ٣١٣

سورة القدر

 ٦٥٤

سورة التغابن

 ٣٢٢

سورة لم يكن

 ٦٦٠

سورة الطلاق

 ٣٣٤

سورة الزلزلة

 ٦٦٥

سورة التحريم

 ٣٥١

سورة والعاديات

 ٦٦٩

سورة الملك

 ٣٦٧

سورة القارعة

 ٦٧٢

سورة ن وتسمى القلم

 ٣٨٢

سورة التكاثر

 ٦٧٥

سورة الحاقة

 ٤٠٤

سورة العصر

 ٦٧٩

سورة المعارج

 ٤٢٠

سورة الهمزة

 ٦٨١

سورة نوح عليه‌السلام

٤٣٠

سورة الفيل

 ٦٨٤

سورة الجن

 ٤٤٠

سورة قريش

 ٦٨٨

سورة المزمل

 ٤٥٧

سورة الدين

 ٦٩٢

سورة المدثر

 ٤٧٤

سورة الكوثر

٦٩٥

سورة القيامة

 ٤٩١

سورة الكافرون

 ٦٩٩

سورة الإنسان

 ٥٠٢

سورة النصر

 ٧٠٢

سورة المرسلات

 ٥٢٠

سورة تبت

 ٧٠٨

سورة عم يتساءلون

 ٥٢٨

سورة الإخلاص

 ٧١٣

سورة النازعات

 ٥٣٧

سورة الفلق

 ٧١٧

سورة عبس

 ٥٤٨

سورة الناس

 ٧٢٢

٧٢٨